منذ اللحظة الاولى لسقوط الانسان في الخطية، اعلن الله له المجد بشكل واضح ما كان في فكره منذ الازل بالنسبة لخلاص الانسان، وذلك بقوله للحية التي استخدمها الشيطان لتجربة ادم وحواء "...لانك فعلت هذا ملعونة انت من جميع البهائم...وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك وانت تسحقين عقبه" تك3: 14و15. فمنذ فجر البشرية اعلن الله ان المعين من قبله لفداء البشر هو "نسل المرأة" اي الشخص الذي سيولد في العالم من امرأة بدون تدخل رجل. وما هذا الشخص الفريد الا ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي حبلت به العذراء المباركة مريم بقوة الروح القدس حسب بشارة الملاك لها "...الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" لو1: 35. وقد جاء ابن الله الى العالم ليخلص الناس من خطاياهم لانه المؤهل الوحيد بين كل الذين ولدوا في العالم لكي يصنع الفداء للبشر، ذلك لانه لم يكن من نسل ادم الساقط كباقي البشر بل هو ابن الله القدوس، نسل المرأة. اما الانبياء وكل الرسل الذين ارسلهم الله لهداية الناس وقيادتهم الى التوبة والايمان، فقد كانوا جميعا من نسل ادم الساقط، ما يعني انهم ورثوا الخطية منه، وبالتالي هم غير قادرين على ان يخلصوا الاخرين من الخطية التي هي فيهم ايضا، اذ يحتاجون الى من يخلصهم هم ايضا منها. فقد جاء في العهد الجديد عن كل البشر هذا القول "من اجل ذلك، كأنما بانسان واحد دخلت الخطية الى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت الى جميع الناس اذ اخطأ الجميع" رو5: 12. وعليه، فلا يمكن ان خاطئا يقدر ان يخلص خاطئا آخر نظيره، بل الجميع يحتاجون الى المخلص الذي تتوافر فيه شروط معينة ليكون صالحا لفداء البشر. وقد جاء في الكتاب ايات عديدة تشير الى عدم امكانية اي انسان في فداء البشر من خطاياهم "لا تتكلوا على الرؤساء ولا على ابن ادم حيث لا خلاص عنده" مز146: 3 " "الاخ لن يفدي الانسان فداء، ولا يعطي الله كفارة عنه. وكريمة هي فدية نفوسهم فغلقت الى الدهر" مزمور49: 7و8
وقد توافرت جميع شروط الفادي وصفاته في شخص الرب يسوع المسيح الخالي من الخطية، والذي تميز عن كل البشر بمقدار ما يوجد فرق بينه كابن الله وبين جميع الناس كابناء آدم. فاذا تركنا لرسل الله وانبيائه الافاضل وجميع قديسيه من رجال ونساء ان يتحدثوا عن انفسهم سنسمعهم يقولون:
-بطرس: "اخرج من سفينتي يا رب لاني رجل خاطىء" لو5: 8
-بولس: "...المسيح يسوع جاء الى العالم ليخلص الخطاة الذين اولهم انا" 1تي1: 15
-يوحنا: "ان قلنا انه ليس لنا خطية نضل انفسنا وليس الحق فينا.....ان قلنا اننا لم نخطىء نجعله كاذبا وكلمته ليست فينا" 1يو1: 8و10
-اشعياء: "فقلت ويل لي اني هلكت لاني انسان نجس الشفتين...ومس بها فمي وقال ان هذه قد مست شفتيك, فانتزع اثمك وكفر عن خطيتك" اش6: 5و7.
هذا بالاضافة الى الانبياء والرسل الذين كان منهم القاتل والكاذب الخ... وقد حرص الروح القدس الذي اوحى بالكتاب المقدس على ذكر خطاياهم لكي يفهم الجميع ان لا رجاء بالخلاص في اي انسان مهما عظم شأنه. اما المسيح له المجد فقد كان الوحيد الذي تطأ قدماه الارض ولم يكن فيه خطية ولا دنس، حيث استطاع ان يتحدى الجميع بالقول "من منكم يبكتني على خطية" يو8: 46. وقد جاء عن الرب في الكتاب ايضا آيات كثيرة تشير الى كونه القدوس الخالي من الخطية نذكر منها "وتعلمون ان ذاك اظهر لكي يرفع خطايانا وليس فيه خطية" 1يو3: 5 "لانه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لاجلنا لنصير نحن بر الله فيه" 2كو5: 21.
ومن الشروط اللازمة للفادي ايضا ان لا يكون مخلوقا، لانه اذا كان مخلوقا فهو لا يستطيع ان يقدم نفسه من اجل احد، لان نفسه ليست ملكه بل ملك الله الذي خلقها، وبالتالي لا يحق له التصرف فيها كيفما يشاء. وعليه، فلم يكن ممكنا ان الانبياء والرسل او احد الملائكة او رؤساء الملائكة يكونون مخلصين، لسبب انهم مخلوقون من الله. اما المسيح الذي هو ابن الله فكان الوحيد في كل الكون الذي استطاع ان يقول عن نفسه "لهذا يحبني الاب لاني اضع نفسي لآخذها ايضا. ليس احد يأخذها مني. بل اضعها انا من ذاتي. لي سلطان ان اضعها ولي سلطان ان آخذها ايضا..." يو10: 17و18.
شرط آخر يجب توفره في الفادي هو ان يكون معادلا لله. اذ ان المهمة الموكلة اليه هي التعويض عن الضرر الذي اصاب مجد الله بسبب خطية الانسان. فمن هو الذي يملك ما يعوض الله مجده اذا لم يكن معادلا له تماما؟ وهل يقبل الله باقل من كامل مجده وعزته وكرامته بديلا من الاهانة التي تسبب بها الانسان نتيجة خطاياه؟ حاشا. ولكن الله قبل بالفداء الذي قدمه المسيح يسوع بموته على الصليب، ذلك ان المسيح ما هو الا الله نفسه متجسدا لكي يفدي البشر، وليكون هو بنفسه المصالح الذي يستطيع ان يعيد لله مجده المهان، ويخلص الانسان من الدينونة والهلاك. لذلك نقرأ عن المسيح "الذي اذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة ان يكون معادلا لله، لكنه أخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس. واذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله ايضا واعطاه اسما فوق كل اسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الارض ومن تحت الارض، ويعترف كل لسان ان يسوع المسيح هو رب لمجد الله الاب" فيليبي 2: 6-11.
بالاضافة الى هذا، يخبرنا الكتاب المقدس ان اليهود كانوا طوال مراحل تاريخهم يترقبون ويتوقعون تحقيق وعد الله لهم بمجيء المخلص الذي قال عنه لموسى قديما "اقيم لهم نبيا من وسط اخوتهم مثلك، واجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما اوصيه به. ويكون ان الانسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي انا اطالبه" تثنية18: 18و19. ولكن اليهود لم يكونوا يدركون ان هذا المخلص يختلف عن جميع الرسل والانبياء، وانه يسمو على الجميع كسمو السماء عن الارض. لذلك عند خروج يوحنا المعمدان، اعظم انبياء العهد القديم، وبدء كرازته باقتراب ملكوت السموات وتعميده الناس في نهر الاردن "ارسل اليهود من اورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من انت. فاعترف ولم ينكر وأقر اني لست انا المسيح. فسألوه...ألنبي انت؟(وهو المقصود بوعد الله لموسى) فاجاب لا" يوحنا 1: 19-21. وحتى يوحنا المعمدان نفسه عندما ألقي في السجن ارسل اثنين من تلاميذه الى المسيح ليسأله "...انت هو الاتي ام ننتظر آخر (بناء على نفس الوعد). فأجاب يسوع وقال لهما اذهبا وأخبرا يوحنا بما تسمعان وتنظران. العمي يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشرون. وطوبى لمن لا يعثر في" متى11: 3-6. فلم يكن جواب المسيح بنعم او لا، ولكن بالبرهان القاطع من خلال اعماله ومعجزاته التي كان يصنعها في وسط الشعب، بانه المخلص الموعود به منذ القديم.
فالمسيح الذي جاء الى العالم متجسدا من العذراء المباركة مريم هو المخلص الوحيد، لا بل هو نفسه الخلاص كما قال عنه سمعان عندما حمله طفلا على ذراعيه في الهيكل "الان تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام لان عيني قد ابصرتا خلاصك الذي اعددته قدام وجه جميع الشعوب" لوقا2: 29و30. لذلك سمي المسيح "يسوع"، وهو اسم عبري مركب يعني الله مخلص، بناء على قول الملاك ليوسف خطيب مريم "فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لانه يخلص شعبه من خطاياهم" متى1: 21. وعن هذا الاسم قال الرسول بطرس بالروح القدس ايضا "وليس بأحد غيره الخلاص لان ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي ان نخلص" اعمال الرسل 4: 12. وقد قال المسيح عن نفسه مرات كثيرة "لاني لم آت لادين العالم بل لاخلص العالم" "لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك" "لان ابن الانسان لم يأت ليهلك انفس الناس بل لكي يخلص" "لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم". ومن المعروف ان المسيح صنع الخلاص بموته على الصليب وسفك دمه الكريم نيابة عن كل البشر، اذ حمل خطايا الجميع وسدد حسابها تجاه العدالة الالهية بالموت، لانه مكتوب "لان اجرة الخطية هي موت، واما هبة الله فهي حياة ابدية بالمسيح يسوع ربنا" رو6: 23 "...وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة" عب9: 22. وقد قال الرسول بطرس عن المسيح "الذي حمل هو نفسه خطايانا على الخشبة لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر. الذي بجلدته شفيتم" 1بطرس2: 24. وهذا الخلاص العظيم لا يمكن الحصول عليه الا بالايمان بالمسيح المخلص كما هو مكتوب "لانك ان اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك ان الله اقامه من الاموات خلصت. لان القلب يؤمن به للبر والفم يعترف به للخلاص...لان كل من يدعو باسم الرب يخلص" رومية 10: 9و10و13.
اما عن الشق الثاني من السؤال، فقد تأنى الله طوال اربعة الاف عام قبل ان يرسل المسيح المخلص، في خلالها ارسل الانبياء والرسل وامر الناس بتقديم الذبائح الحيوانية للتكفير عن خطاياهم، وذلك لاسباب عديدة منها:
-ان يجعل الناس يدركون ان لا شيء يمكن ان يقوموا به او يعملوه يمكن ان يكون بديلا عن قضاء الله ضد الخطية، الذي هو الموت وليس أقل من ذلك.
-ان الله لا يتساهل مع الخطية لانها تتعارض مع طبيعته القدوسة.
-ان الله يحب الخطاة ويريد لهم الخلاص من الخطية.
- ان يجعل البشر يدركون قيمة الفدية وعظمتها في نظر الله، كونها تشير الى المسيح.
فقد علم الله الناس من الذبائح قديما كل معاني الفداء ونتائجه وقيمته قبل ان يرسل المسيح كالذبيحة الحقيقية التي سيفدي الناس من خلالها. وقد استلزم تعلم هذا الدرس سنوات طويلة لان البشر كانوا قاصرين وعاجزين عن ادراك افكار الله لجهة الفداء والخلاص كما قال الرسول بولس الى اهل غلاطية عن هذا الامر "هكذا نحن ايضا لما كنا قاصرين كنا مستعبدين تحت اركان العالم. ولكن لما جاء ملء الزمان ارسل الله ابنه مولودا من امرأة مولودا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني" غل4: 3-5.
لقد اراد الله من تعليم الانسان مبدأ تقديم الذبيحة طوال سنوات كثيرة، انه لا مجال لانسان ان يخلص نفسه من الخطية. لذلك نرى في الكتاب المقدس تسلسل الاعلان عن الذبائح يتوضح شيئا فشيئا من عصر الى عصر ليصبح اخيرا القانون الالهي للخلاص في العهد القديم مكتوبا في الناموس اليهودي. واول اشارة الى طريق الخلاص والمخلص نجدها في الاصحاح الثالث من سفر التكوين عند سقوط آدم وحواء في الخطية كما ذكرنا في بداية هذه الرسالة، اذ يتقدم الله ويلبس ادم وحواء العريانين جلد ذبيحة، ثم يتكلم عن مجيء المخلص نسل المرأة ليسحق رأس الشيطان بموته على الصليب. ثم تأتي الاشارة الثانية الاكثر وضوحا في الاصحاح الرابع من سفر التكوين، اذ اقترب الاخوان قايين وهابيل الى الله، الاول عن طريق ثمار تعبه من الارض الملعونة، والثاني عن طريق ذبيحة. فقبل الله ذبيحة هابيل اما تقدمات قايين فرفضها، معلنا بذلك بطريقة مباشرة ان مبدأ الذبيحة والدم المسفوك نيابة عن الخاطىء هو الوسيلة المحددة للقبول والخلاص. بعد ذلك نقرأ في الاصحاح الثاني والعشرين من سفر التكوين كيف يقدم ابرهيم ابنه اسحق على المذبح بناء على طلب الله منه. وحين شرع في هذا الامر ناداه الله من السماء قائلا لا تمد يدك الى الغلام. وأعد الله ذبيحة عوضا عن اسحق، كبشا ممسكا في الغابة بقرنيه، التفت ابرهيم فوجده وأخذه وذبحه وقدمه عوضا عن ابنه. وهذه الحادثة توضح اكثر من سابقتيها ان فداء الانسان يستوجب تقديم ذبيحة بدلا عنه. ثم بعد ذلك اتى الناموس الذي اعلن الله فيه بكل وضوح مبدأ تقديم الذبائح، التي ظل الشعب اليهودي يقدمها على مدى الف وخمسمئة سنة من موسى حتى المسيح. وقد كانت كل الذبائح التي قدمت في العهد القديم رمزا الى ذبيحة المسيح الكاملة التي وحدها استطاعت ان تفدي الناس من خطاياهم بشكل كامل، لان الذبائح في ذاتها لم تكن تفي بمطاليب عدل وقداسة الله، على رغم انها صورة عن ذبيحة المسيح. كما انها لم تكن بذاتها السبب في رفع خطايا من يقدمها لانه من غير الممكن ان الحيوان يفدي الانسان الاكثر منه قيمة. ولكن الله انما كان ينظر من خلال كل الذبائح في العهد القديم الى الذبيحة الوحيدة القادرة على فداء النفوس وتمجيد الله الى التمام، اي ذبيحة المسيح ودمه المعروف سابقا قبل تأسيس العالم. فقد جاء في العهد الجديد عن الذبائح الحيوانية التي كانت تقدم "لانه لا يمكن ان دم ثيران وتيوس يرفع خطايا...وكل كاهن يقوم كل يوم يخدم ويقدم مرارا كثيرة تلك الذبائح عينها التي لا تستطيع البتة ان تنزع الخطية" عبرانيين 10: 4و11. اما عن المسيح كالذبيحة التي قدمها الله لفداء البشرفيقول يوحنا المعمدان "...هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" يو1: 29. وعن تقديم المسيح نفسه كالذبيحة التي افتدت البشر جاء "وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة الى الاقداس فوجد فداء ابديا" "...ولكنه الان قد اظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه" عبرانيين9: 26 "واما هذا فبعدما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس الى الابد عن يمين الله...لانه بقربان واحد قد اكمل الى الابد المقدسين" عبرانيين 10: 12و14 "فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة" عبرانيين10: 10. لذلك يقول الرسول بطرس في رسالته الاولى "عالمين انكم افتديتم لا باشياء تفنى بفضة او ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الاباء، بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح معروفا سابقا قبل تأسيس العالم ولكن قد أظهر في الازمنة الاخيرة من اجلكم" 1بط1: 18-20.
ارجو ايها العزيز حاتم الشابي ان تكون هذه الرسالة قد اجابت عن تساؤلاتك. ونصلي ان تكون سبب بركة لنفسك الغالية التي احبها المسيح واسلم نفسه ليموت على الصليب من اجل فدائها. كما نرجوك باسم المسيح ان تضع ثقتك فيه كالمخلص الشخصي لك، وكن على ثقة ان المسيح يقبل ويخلص كل من يقبلون اليه بالايمان البسيط وذلك حسب قوله الصادق والامين "كل ما يعطيني الاب فألي يقبل. ومن يقبل الي لا اخرجه خارجا...لان هذه مشيئة الذي ارسلني ان كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة ابدية وانا اقيمه في اليوم الاخير" يوحنا6: 37و40. والله معك.
ادمون الآغ