ان المسيحية ليست تبعية اسمية. هي حصراً علاقة فرد مع الله من خلال ايمانه بالمسيح ابن الله الوحيد مخلصاً من الخطيئة ومانحاً دون سواه نعمة الحياة الابدية. وامتياز هذه العلاقة انها شركة دائمة تصبح معها جميع تصرفاتنا وسلوكنا وحتى الفكر محكومة بما يمليه على المؤمن روح الله القدوس الساكن فينا. وبهذا فان المسيحية هي اسلوب حياة وليست ديانة شعائر وطقوس. إن الله منذ التكوين خلق الانسان بامتيازي السيادة و الحرية. قال الله في الاصحاح الاول من سفر التكوين العدد السادس والعشرين "نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا. فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الارض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الارض". لقد اعطى الله الانسان سلطاناً على الارض وكل ما فيها. وخلق الله ادم حراً، حتى عندما امره ان لا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر لم يأخذ منه حرية الاختيار بل ترك له اما ان يذعن ويطيع واما ان يعصي اوامر الخالق. خلقنا الله احراراً متسيدين على الارض وهو اذ حلل لنا كل شيء علمنا ان "كل الاشياء تحل لي ولكن ليس كل الاشياء توافق. كل الاشياء تحل لي ولكن لا يتسلط علي شيء". 1 كورنثوس 6 : 12 وفي الاصحاح العاشر العدد الثالث والعشرين من الرسالة نفسها نرى " ان كل الاشياء تحل لي ولكن ليس كل الاشياء تبني". اذا ليس كل الاشياء توافق وليس كل الاشياء تبني والاهم ان لا يتسلط علينا شيء. لذا نحن في كل تصرف وسلوك وفعل وقول احرار يحكمنا كمؤمنين سؤال واحد اي مجد لله في ما نحن فاعلون او قائلون ؟. حتى في ابسط المسائل. ماذا نأكل وماذا لانأكل ماذا نشرب وماذا لانشرب، يمكننا ان نتوقف عند السؤال عينه كي نحكم اذا ما كان بامكاننا ان نأكل ما نأكل ونشرب ما نشرب. وعلماً ان الكتاب المقدس يعلمنا " ليس شيء من خارج الانسان اذا دخل فيه يقدر ان ينجسه. لكن الاشياء التي تخرج منه هي التي تنجس الانسان" مرقص 7 : 15
كثير من الناس يتساءلون ما هو تعليم الكتاب المقدس بالنسبة لموضوع الخمر والكحول. ان اول اعجوبة في الكتاب المقدس قام بها الرب يسوع هي اعجوبة تحويل الماء الى خمر في الاصحاح الثاني من انجيل يوحنا. ان الرب يسوع لا يمكن ان يفعل معجزة في اشياء دنسة. ولا يمكن ان يعطينا بوفرة اشياء محرمة، فالخمرة بحد ذاتها ليست نجسة ولكن فعلها في الانسان وتأثيرها على ما يصدر عن الانسان من تصرفات ويخرج من فمه في حالة اللاوعي هو الذي يصبح نجساً. ولعله من الملفت للنظر ان نرى ان اول اية ذكرت فيها الخمر في الكتاب المقدس كانت لاظهار فعل الخمر وتأثيرها. لقد كان نوح اول من وقع في سحر الخمر. فقد سكر وتعرى في خبائه. تكوين 9: 21 وهو في ما بعد لعن كنعان ابن ابنه حام الذي رأى عورته. والسبب في عدم لعن حام هو ان الله قد سبق وباركه كما نقرأ في العدد الاول من الاصحاح التاسع لسفر التكوين ولا يمكن لعن شخص قد باركه الله مسبقاً. ان ما فعله نوح تحت تأثير الخمرة هو امر لا يمكن ان يفعله في حال الوعي. للخمرسطوة على الانسان لذا يحذرنا الكتاب المقدس الا ننظر اليها " اذا احمرت حين تظهر حبابها في الكأس وساغت مرقرقة". امثال23 : 31 وكلما نظرنا اليها بافتتان ولذة علينا ان نتذكر ان الويل والشقاوة والكرب والجروح بلا سبب هي لمدمني الخمر. امثال 23 : 29 ....لا شك ان الله منح الانسان الكرمة والخمر من نتاجها وجعلها سبب بركة له، عندما بارك اسحق ابنه ابراهيم قال له " فليعطك الله من ندى السماء ومن دسم الارض وكثرة حنطة وخمر( كثرة الخمر كانت تعتبر بركة) تكوين 27: 27 وفي سفر الخروج الله يطلب الى موسى تقديم الخمر مع الخروف محرقة. وفي المزمور المئة والرابع يقول المرنم باركي يا نفسي الرب ويعدد عطايا الله له ومن بينها "الخمر التي تفرح قلب الانسان" كذلك في الامثال الاصحاح الثالث يقول الكتاب اكرم الرب ... فتمتلئ خزائنك شبعاً وتفيض معاصرك مسطاراُ" والمسطار هنا رمز للفرح الذي يجب ان يملأنا به روح الله الذي يسكن المؤمن. في رسالة افسس الاصحاح الخامس العدد الثامن عشر هناك تأكيد على ان فرح المؤمن حتى الثمالة يجب ان يكون مصدره الروح القدس وليس الخمر " ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح" لماذا الروح بدل الخمر؟ ان الناس يسعون الى الخمر ليس لمجرد طعمه اللذيذ فهناك الكثير من المشروبات غير الروحية ذات الطعم اللذيذ ولكنهم يسعون اليه لمعرفتهم بتأثيره على مزاجهم واحاسيسهم. يظن الناس خطأً ان الخمر يجلب لهم فرحاً فيسعون اليه في الاحتفالات ليزيدوا من سعادتهم وفي الواقع ان الخمر يؤثر على طاقات العقل والفكر عند الانسان وعلى توازنه العاطفي وغالباً ما يؤدي به الى رؤية الاشياء بشكل غير طبيعي على غير حقيقتها فيظنها اكثر جمالاً. ان الانسان تحت تأثير الخمر يصبح اكثر استرخاء لقول اشياء لا يقولها اذا لم يكن تحت تأثير الخمر ويفعل اشياء خارجة عن سيطرته وارادته. كما انه يفسر اقوال الناس وتصرفاتهم بطريقة خاطئة. لذا نجد ان كل الافعال والاقوال المتأتية من تأثير الخمر هي ابداُ مصدر ندم لفاعلها عندما يعود الى صحوته، وقد يكون الندم في كثير من الاحيان بغير ذي نفع لأنه وان كان فيه ما يشبه التوبة الا انه لا يصلح ما قد دمر. ولكننا عندما نمتلأ من الروح القدس فنحن قد امتلأنا بالفعل من طاقة قادرة على تغير مجمل ما يكوّن انساننا من الداخل من فكر و احاسيس ومشاعر. فنصبح قادرين على رؤية الامور والاشياء والناس بطريقة مختلفة ولكنها صحيحة و جميلة لاننا نراهم بعين محبة الله وصلاحه ولذا فان اي تصرف او قول يتأتى من امتلائنا بالروح لا ندم عليه في اي لحظة لان ثمر الروح هو:" محبة فرح سلام طول اناة لطف صلاح ايمان" كما نتعلم في غلاطية الاصحاح الخامس العدد الثاني والعشرين. وتعلمنا ايضاً رسالة افسس الاصحاح الخامس العدد التاسع ان : "ثمر الروح هو في كل صلاح وبر وحق". نحن لانمتلئ من الروح الا اذا كان لنا في كلمة الله غذاء يومي يجعلنا نسلك لحظة بلحظة بحسب تعاليم الكتاب المقدس فنصبح وكأننا في حضرة الله كل حين لاننا فيه وهو فينا. ولعله من الممكن ان نفهم بشكل اوضح الان لماذا يقول الله في سفر اللاويين لهرون :"خمراً ومسكراً لا تشرب انت وبنوك معك عند دخولكم الى خيمة الاجتماع لكي لا تموتوا". لاويين: 10: 9 ان خيمة الاجتماع في العهد القديم هي رمز لحضور الله في وسط شعبه خروج 25 : 8. لا يمكن للانسان الاقترب من الله او التواجد في حضرته اذا كان تحت تأثير الخمر
" ولا يشرب كاهن خمراً عند دخوله الى الدار الداخلية" حزقيال44 : 21 عندما نقترب من الله قصد السماع منه ومعرفة ما هي مشيئته في حياتنا لا يمكننا ان نكون تحت تأثير اي كحول او اي شيء يمكنه يسلبنا التوازن العقلي إن الله يريدنا ان نكون في كامل وعينا عند اقترابنا منه كي نقدر على السماع والفهم والتميزواذا كان الله في العهد الجديد قد اعطانا من خلال قبولنا يسوع المسيح مخلصاً ان نكون في حضرة مجده كل حين فكيف يمكننا ان لا نكون مستعدين دوماً للسماع منه ومعرفة مشيئته وكيف يمكننا بعد ان نطلب فرحاً مزيفاً كافراح الخمر؟ وفي سفر العدد يتكرر التعليم بالنسبة لمن يريد ان ينتذر للرب " فعن الخمر والمسكر يفترز ولا يشرب خل الخمر ولا خل المسكر ولا يشرب من نقيع العنب ولا ياكل عنباً رطباً ولا يابساً" عدد 6 : 3. اشعياء الاصحاح الثامن والعشرين يؤكد لنا ان الويل سيكون للسكارى المضروبين بالخمر، اما باقي الشعب غير المضروبين بالخمر فيكون لهم رب الجنود اكليل جمال وتاج بهاء. ويؤكد لنا ايضاً الاصحاح ذاته ان الله لا يمكنه ان يعطي معرفة او تعليماً ولا حتى للكاهن والنبي ان هم ضلوا بالخمر وتاهوا بالمسكر.
ونقرأ في العهد الجديد في انجيل لوقا الاصحاح السابع العدد 33 " لانه جاء يوحنا المعمدان لا ياكل خبزاً ولا يشرب خمراً فتقولون به شيطان". ماذا يقول الكتاب المقدس عن يوحنا المعمدان" كان انسان مرسل من الله... جاء ليشهد للنور" وقال يوحنا عن نفسه" انا صوت صارخ في البرية قوموا طريق الرب" يوحنا 1 : 23. جاء يوحنا ليشهد للنور، الا يفترض ان كل مؤمن بالمسيح هو شاهد للنور؟ اولم يوكل الينا الرب يسوع مهمة التبشير بقرب ملكوت
الله؟ " اذهبوا وتلمذوا جميع الامم "؟ كيف يمكننا ان نكون شهادة للنور او ان نحمل على عاتقنا مثل هذه المهمة ما لم نكن ساهرين متيقظين في كل حين؟
ويبقى ان الامر الاكثر اثارة للاهتمام هو انه في سفر الرؤيا اي ذكر للخمر كان مرتبطاً بالزنى والغضب ولا سيما معصرة خمر سخط وغضب الله.
كاتيا سلامة