الوحام والشهوة
ان هذه الاعداد تتحدث عن التدبير الذي صنعه يعقوب لجعل غنم وعناز لابان حميه تلد صغارا تكون رقطاء وبلقاء وسوداء ، بحيث تصبح ملكا ليعقوب بحسب الشرط الذي وضعه لحميه عن الغنم والمعزى المزمع ان يأخذها كأجرة عن السنين التي خدمه فيها . وكان تدبير يعقوب بأن يجعل اغنام ومواعز لابان التي كان يرعاها له ، تتوحم بين قضبان اعدها خصيصا لهذه الغاية ، بحيث يضمن ان تكون المواليد الجدد بأكثرها مستوفية للشروط الموضوعة ، وبالتالي تصير من نصيبه . وقد نجح فعلا في هذا العمل وصار له معزى وغنم كثير .
ولكن السؤال الذي يطرح هنا هو ، هل من علاقة فعلا بين الوحام وتكوين المواليد عند الحيوانات او حتى عند النساء ؟ يكفينا ان كلمة الله تحدثت عن هذا الامر لكي نصدقه ، مع العلم ان الواقع ايضا يشير الى حقيقة وجود مثل هذه العلاقة . فزوجتي مثلا ولدت ابننا البكر وعلى باطن قدمه رسم نافر لعنقود عنب احمر مع ورقة دوالي . ونحن نتذكر تماما الوقت الذي فيه توحمت زوجتي على عنقود عنب رأته لا يزال معلقا في الدالية بعد انتهاء موسم العنب . وقد احجمت حينها عن الطلب من اصحاب البيت الذي كنا نزوره ان تأكل عنبا لكي تحقق شهوتها فلا يؤثر وحامها على الجنين في بطنها . كما انني اعرف العديد من الاشخاص الذين يوجد في اجسادهم علامات وصور نتجت عن توحم امهاتهم وهن حاملات بهم . اما كيف يتم الامر وما هي العلاقة بين الوحام وتأثيره المادي على اجساد المواليد الجدد فأنا لا اعرف شيئا عن هذا . ولكنني اعلم شيئا يقينا عن الدرس الروحي الذي نستنتجه من هذا الامر " لان كل ما سبق فكتب كتب لاجل تعليمنا ، حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب يكون لنا رجاء " رو 15 : 4 .
الوحام بكل بساطة هو شهوة تشتهيها الحامل لشيء تشعر برغبة شديدة في نواله ، ولا سيما اذا كان مما يؤكل . فالامر اذن يتعلق بالشهوة . وهنا يكمن الدرس الروحي الذي يجب ان نتعلمه . فكما ان الوحام يترك اثرا ملموسا وحقيقيا على جسد الجنين في بطن الام ، هكذا الشهوة تؤثر بشكل عملي على حياتنا الروحية في الداخل . والشهوات نوعان : شريرة ومقدسة . والنوعان يتركان اثرهما على حياتنا ومصيرنا الابدي .
عن الشهوات الشريرة يقول الله له المجد في الوصية العاشرة من وصاياه " لا تشته بيت قريبك . لا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا امته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا مما لقريبك " خر 20 : 17 . فالشهوة هي مفتاح التجربة والسقوط في الخطية والهلاك كما يقول الرسول يعقوب بوحي الروح القدس " ولكن كل واحد يجرب اذا انجذب وانخدع من شهوته . ثم الشهوة اذا حبلت تلد خطية . والخطية اذا كملت تنتج موتا " يع 1 : 14 و 15 . والرسول يوحنا ، بالوحي المقدس ايضا ، اختصر كل الخطايا في العالم بالشهوة عندما قال " لا تحبوا العالم ولا الاشياء التي في العالم . ان احب احد العالم فليست فيه محبة الآب . لان كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم . والعالم يمضي وشهوته . واما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت الى الابد " 1 يو 2 : 15-17 . ولا ننسى ان هلاك البشرية جمعاء حصل نتيجة الشهوة التي استحوذت على مشاعر حواء بسبب اغواء الشيطان لها للاكل من الشجرة المحرمة كما نقرأ في سفر التكوين " فرأت المرأة ان الشجرة جيدة للأكل وانها بهجة للعيون وان الشجرة شهية للنظر ، فأخذت من ثمرها واكلت واعطت رجلها ايضا معها فأكل " تك 3 : 6 .
لقد اكد الرب يسوع المسيح في تعاليمه صحة كون الشهوة تنتج تأثيرا عمليا ماديا عندما قال " قد سمعتم انه قيل للقدماء لا تزن . واما انا فأقول لكم ان كل من ينظر الى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه " مت 5 : 27 و 28 . فقد اعتبر الرب يسوع ان من يشتهي امرأة بعيونه الشريرة يكون زناه المعنوي مساويا للفعل المباشر . لذلك يحرض الرسول بولس الشباب على الهرب من الشهوات كقوله لتيموثاوس " اما الشهوات الشبابية فاهرب منها واتبع البر والايمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي " 2 تي 2 : 22 . ويقول المرنم في العهد القديم " شهوة الشرير تبيد " مز 112: 10 .
اما عن الشهوات المقدسة فيقول الملك سليمان " شهوة الابرار خير فقط " ام 11 : 23 . ويقول ايضا " خوف الشرير هو يأتيه وشهوة الصديقين تمنح " ام 10 : 24 . فعلى عكس الاشرار الذين سيحصدون نتيجة شهواتهم الشريرة ، يبارك الله المؤمنين بتحقيق امانيهم وشهواتهم المقدسة لكي يتمتعوا بها في حياتهم اليومية والابدية . فكم من المؤمنين يشتهون ما كتب عنه النبي اشعياء " في طريق احكامك يا رب انتظرناك . الى اسمك والى ذكرك شهوة النفس . بنفسي اشتهيتك في الليل . ايضا بروحي في داخلي اليك ابتكر " اش 26 : 8 و9 " هانذا قد اشتهيت وصاياك . بعدلك احيني " مز 119 : 40 . ليت هذه الشهوات تكون شهوات الكاتب والقارىء معا في كل حين . لقد كان للرسول بولس شهوة مقدسة يرجو تحقيقها عندما قال " لي اشتهاء ان انطلق واكون مع المسيح . ذاك افضل جدا " في 1 : 23 . والروح القدس يشجع على اشتهاء الاشياء المقدسة كقول الرسول بطرس " وكأطفال مولودين الآن اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنموا به ( اي كلمة الله ) " 1 بط 2 : 2 . وكقول الرسول بولس " صادقة هي الكلمة . ان ابتغى احد الاسقفية فيشتهي عملا صالحا " 1 تي 3 : 1 .
اخيراً نشجعك عزيزي القارئ باسم ربنا يسوع المسيح ، ان كنت لم تختبر نعمة الخلاص بعد ، ان تسرع حالا اليه لانه احبك وبذل للموت نفسه لاجلك على الصليب ، فتطلب منه ان يمنحك الايمان ويخلصك من خطاياك فتنال الغفران والحياة الابدية . فهو سيفعل هذا بالتأكيد لانه اله الامانة الذي يقرع على ابواب القلوب كي تفتح له فيدخل ويملأ المكان بالفرح والسلام الابديين . فاذا كانت هذه شهوة نفسك ، تأكد يا عزيزي ان الله سيمنحك اياها لان " شهوة الصديقين تمنح " وله كل المجد الى ابد الابدين . آمين .