من المواضيع الالهية المتعددة التي اختلط فهمها على كثيرين من مسيحيين وغير مسيحيين، مسألة لاهوت ربنا يسوع المسيح (اي كونه الها) وناسوته (اي كونه انسانا). والسؤال الذي يطرح كثيرا هو، ان كان يسوع هو الله فلماذا قيل عنه انه جاع وعطش وتعب ونام وحزن وبكى وصلى ومات وغير ذلك من الامور التي لا يمكن ان تحدث لله على الاطلاق؟ لقد عثر كثيرون بحقيقة كون المسيح هو الله الظاهر في الجسد لفداء البشر من خطاياهم، وفاتتهم ضرورة التمييز بين لاهوت المسيح وناسوته كمن جاء عنه في الكتاب المقدس "فانه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا" كو 2 : 9. فعندما تجسد الله له المجد في شخص ربنا يسوع المسيح، لم يفارق لاهوته ناسوته على الاطلاق. بل كان المسيح هو الله الكامل والانسان الكامل معا بدون زيادة او نقصان.
اما عن كون المسيح هو الله ظاهرا في الجسد، فقد جاء عنه في الكتاب المقدس آيات كثيرة تشير الى هذه الحقيقة المباركة في العهدين القديم والجديد مثل "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله ... والكلمة صار جسدا وحل بيننا، ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا" يو 1 : 1 و 14. فالآية هنا تؤكد ان الكلمة الذي هو الله صار جسدا، وهو ما تؤكده ايضا الآية التالية "وبالاجماع، عظيم هو سر التقوى. الله ظهر في الجسد، تبرر في الروح، تراءى لملائكة، كرز به بين الامم، أومن به في العالم، رفع في المجد" ا تي 3 : 16. اما عن كون ربنا يسوع المسيح هو المقصود في هاتين الآيتين فالآية التالية تشير الى هذا بشكل واضح "فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع ايضا، الذي اذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة ان يكون معادلا لله، لكنه اخلى نفسه آخذا صورة عبد، صائرا في شبه الناس، واذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" في 2 : 5-8. ومع وجود الكثير الكثير من الآيات فاننا نكتفي بهذه الثلاثة لضيق المجال في هذه العجالة.
لقد تجسد المسيح يسوع ليكون نائبا عن الانسان الخاطىء بدفع اجرة خطاياه بالموت على الصليب، ولاعطاء المؤمنين به الحياة الابدية كما هو مكتوب "لان اجرة الخطية هي موت. اما هبة الله فهي حياة ابدية بالمسيح يسوع ربنا" رو 6 : 23. ولكي يتمم المسيح هذه المهمة كان يجب ان يكون انسانا كاملا بكل ما تعنيه الكلمة. فالانسان هو الذي اخطأ الى الله. وكان لا بد لكي يصفح الله عن الانسان ان يتقدم كائن حي معادل لله وللانسان معا لكي يتوسط بينهما فيكون فاديا. الا ان هذا الكائن الحي لم يوجد بين بني البشر لان الجميع خطاة والجميع يعوزهم من يتوسط لاجلهم لدى الله. ولكون الامر مستحيل الحصول، اخذ الله له المجد المبادرة، فتجسد بنفسه في شخص ربنا يسوع ليكون انسانا كاملا، بحيث يمكنه فداء الانسان من خطاياه والتصالح معه. ولتحقيق ذلك، ولد يسوع في العالم كباقي البشر. الا انه ولد من عذراء، اي بدون زرع بشري، وبالتالي بدون خطية، لذلك دعي ابن الله. وعلى رغم كونه الله بكل ما تعنيه الكلمة، فقد اختبر المسيح بالتجسد كامل الاختبار البشري، حيث مر بكامل مراحل النمو الانساني من طفولة وشباب ورجولة، واظهر في كل المراحل تميزه الفريد عن باقي البشر من حيث بره وقداسته. وكالانسان الكامل اختبر المسيح الحزن والفرح والجوع والعطش والتعب والبكاء والالم والنوم والتعجب والشعور بالوحدة والموت. كما انه اختبر التجربة من قبل الشيطان، لكنه لم يسقط في الخطية لانه المنزه عن الشر كونه الاله القدوس البار. وقد اعطى المسيح كانسان المثال الكامل لما يجب ان تكون عليه علاقة الانسان مع الله. لذلك نقرأ عنه كثيرا انه كان يصلي ويسبح الله. كما اننا نقرأ عن طاعته وخضوعه، وعن اتكاله على الله وتسليمه كامل اموره اليه. كما كان يقول عن نفسه انه جاء لا ليعمل مشيئته (كانسان) ولكن مشيئة الله الذي ارسله. فلقد كان المسيح يسوع في تجسده المثال الكامل عن الانسان الكامل الذي خلقه الله على صورته كشبهه لكي يتمجد من خلاله. فتجسد الله في شخص المسيح كان الفرصة الوحيدة لكي يظهر عمليا النموذج الفريد لما يجب ان يكون عليه الانسان الذي قصد الله ان يكون عندما خلقه.
من ناحية ثانية، لقد اثبت المسيح يسوع حقيقة كونه الله الظاهر في الجسد، من خلال معجزات كثيرة عملها، فأظهر مجده من خلالها كالاله القادر على كل شيء، الذي يأمر الاشياء بسلطانه الخاص فتستجيب، دون ان يطلب من الله كما كان يفعل الانبياء المرسلون من قبل الله قديما. واكثر من هذا، كثيرا ما نقرأ عن معجزات عملها الرسل باسم المسيح، كمن هو الاله الذي اعطى سلطانا لتلاميذه ان يقوموا بأعمال الشفاء وغيرها من المعجزات، لتثبيت صحة الدعوة التي كانوا يبشرون بها عن المسيح كالفادي والمخلص لكل الذين يؤمنون به، له المجد والكرامة والتعبد من الآن والى ابد الآبدين. آمين.